قرار البرلمان المصري بإدانة العدوان الثلاثي بارقة امل عربية
يمنات
صلاح السقلدي
ليست المشكلة وجود إيران في سوريا حتى نتحدث عن سبب يعطي اسرائيل الحق أو المبرر لضرب دمشق, ولا الدعم الإيراني لحزب الله هو الباعث للاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان. فإسرائيل لا تستثني أية دولة عربية من ضربها أو محاربتها بشكل مباشر أو غير مباشر حين ترى الى ذلك سبيلا, ولا هي بحاجة لمبررٍ طالما والموقف الأمريكي معها على طول الخط والموقف العربي متخاذلا كما درجت العادة ,والموقف والمال الخليجي يروق له ذلك ويسدد الفاتورة ويدفع التكلفة ولو عبر الشُــبّاك الأمريكي ,فالكل بنظر العين الإسرائيلية في مرمى الاستهداف ,بما فيها الدول المصطفة بمعسكر الاعتدال, وحتى الدول الخليجية التي تتقرب اليوم زُلفا من تل أبيب طمعاً برضاء وعطف البيت الأبيض, فالجميع سيُــعقر كما عُــقرِتْ الثيران السابقة, مسألة توقيت ليس إلّا.!
فحين احتلت إسرائيل هضبة الجولان السورية بحرب 67م لم يكن النظام الإيراني الحالي موجودا في سوريا ولا على الخارطة من أساسه حتى 79م,بل أن “إيران الشاه” كانت حينها تصطف سياسياً وعسكرياً بالجبهة الموالية لإسرائيل ولأمريكا, ونتذكر كيف ابتهج بهزيمة حزيران 1967م, وكيف امتدح الجيش الإسرائيل بتلك الحرب, في عصر الشموخ القومي الناصري الذي كان يقض مضاجع القوى المتغطرسة حينها.!
وقبل ذلك نتذكر كيف شنَّ العدوان الثلاثي الأول :”اسرائيل وبريطانيا وفرنسا” عدوانه على مصر عام 56م ولم يكن حينها الزعيم جمال عبدالناصر يضرب شعبه بالكيماوي “الذريعة” ولا يحزنون .!
وحين غزت إسرائيل لبنان في 1982م لم يكن حزب الله الذي تتذرع به اسرائيل اليوم بغطرستها وعجرفتها المدعومة أمريكاً وغربيا على لبنان قد ظهَــرَ على الساحة بعد, ونتذكر كيف وصل الجيش الاسرائيلي بتلك الحرب العدوانية الى هذا البلد العربي وافترق المذابح هناك دون أن تهتز شعرة واحدة للأنظمة العربية التي ترفع عقيرتها اليوم, وكيف سقطت حينها ثاني عاصمة عربية “بيروت” بيد الدولة العبرية “الشارونية” دون أن ترسل تلك الأنظمة مجاهدا واحدا من مجاهديها ” السُــخرة” للدفاع عن لبنان وتحريره كما فعلت وارسلتهم الى جبال أفغانستان بأوامر أمريكية وبتمويل مالي سعودية في عصر ازدهار وتشكّل فكر الوهابية المتحفز نهاية عقد السبعينات, وكما أرسلتهم اليوم لتدمير سوريا والعراق وليبيا.
قالت دول العدوان الثلاثي اليوم أمريكا وبريطانيا وفرنسا أنها ضربت مراكز ابحاث ومخازن كيماوية سورية. وهنا يبرز سؤالٌ تلقائيٌ يخطر على بال المواطن البسيط ناهيك عن المراقب السياسي , وهو: لماذا لم تخش هذه الدول ولم تتوقع عملية انبعاث كيماوي -ولو على شكل موادها الأولية الخام- لهذه المواد الافتراضية الموجودة بتلك المراكز والمخازن؟. الجواب المنطقي هو أن هذه الدول تعرف جيدا ألّا وجدود لتلك المواد أصلاً, وإن كانت تعرف أن ثمة مواد كيماوية خطرة وضربتها فالمصيبة بهذا التصرف أعظمُ.!
بريطانيا وفرنسا تستبقان نتيجة التحقيقات الدولية بشان دوما بالقول أن سوريا وروسيا قد اخفتا الأدلة. وكأننا إزاء جريمة قتل جنائي بمسدس أو بساطور يمكن اخفائهما وتنظيف بقع الدم وطمس البصمات من مسرح الجريمة بسهولة ,فلأن هذه الدول تعرف مسبقا النتيجة فقد استبقته بهكذا زعم- فكذبة الكيماوي الذي دمر العراق مازال ماثلا للعيان. لا يوجد أمر مضحك كهذا إلا قول رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي: ( توصلنا إلى استنتاج مفاده بأن هذه المرة أيضا نرجح أن المسؤولية تقع على عاتق النظام السوري.. وممارسة سلوكه تشير إلى أنه من المحتمل جدا أنه يستخدم الأسلحة الكيميائية وسيواصل القيام بذلك).أي أنها فقد بنَتْ قرار مشاركتها بالضربة على كلمتين: (نرجّح- ومن المحتمل).!
لا نعرف ما الجدوى اليوم من وجود أدلة إدانة بيد هذه الدول طالما وقد أكدت وقوع الجريمة وحددت الجاني وأصدرت حكمها ونفذته بيدها في الحال؟ إلا في حالة واحدة, وهي ان تبرر فعلتها أمام شعوبها وبرلماناتها وأمام المجتمع الدولي الساخط من مثل هذه التصرفات المتغطرسة أحادية الطرف.
حين استخدمت اسرائيل الفوسفور الأبيض أبّان اعتداءاتها الغاشمة على غزة عام 2010م لم تر جامعة الدول العربية التي أيدتْ اليوم بكل وقاحة وصفاقة ضرب دولة عربية مؤسِسِة لها قبل سبعة عقود أي ضرورة لعقد قمة طارئة أو حتى عادية وهي ترى عدوانا صارخا يطاول احد أعضائها, ولم تر حينها ما يستحق إصدار بيان إدانة ولو على شاكلة البيانات الهزيلة, من باب إسقاط واجب, بل من المفارقة الصادمة أن يكون مقعد هذه الدولة المعتدى عليها “سوريا” مجمداً إنفاذا لرغبة سعودية اسرائيلية .!
بيان إدانة العدوان الثلاثي على سورية الذي أصدره البرلمان المصري يوم الأثنين يعبّـــر بصدق عن أن الموقف المصري الشعبي والرسمي الحقيقين بدون أية رتوش أو ضغوط إقليمية, بخلاف ذلك الموقف الذي ســجِلته مصر ضمن بيان القمة العربية يوم الأحد الماضي بالسعودية ضمن الموقف العربي الذي صدر برغبة سعودية واضحة, وهذا يدل ان الموقف المصري القومي يظل عصيا على التطويع الذي يُــراد له سعوديا أن يكون, برغم مسيس الحاجة المصرية للدعم المالي السعودي.
مذيعة قناة ” CNN” الأمريكية عرضت تقريرا مصورا، تظهر فيه مراسلتها بسوريا وهي تستنشق ملابس واغراض ومتعلقات بعض المواطنين الخارجين من دوما بعد الهجوم الكيميائي المفترض،دون أن تخشى هذه المراسلة التي كانت تقوم بمهام فريق التحقيق الدولي” أي تلوث أو مضرة عليها, سيما وأنها كانت تقوم بذلك دون وجود مادة واقية على الأنف أو اليدين .وكأنها تبحث عن أجود أنواع العطور الباريسية وليس عن مواد خطرة قد تودي بحياتها.
حين سُــجلت حالة استخدام المواد الكيماوية بالعراق ضد الأكراد في زمن الشهيد صدام حسين ,لم يثر ذلك الأمر حفيظة الغرب وأمريكا والخليج, ولم تعتبر تلك الواقعة في نظرهم سببا لضرب صدام ,كون الغرب و أمريكا والخليج حينها كانوا على وفاق معه, ويوغرون صدره بحرب استنزاف طويلة المدى ضد إيران. -وهذا ينزع قناع الانسانية الذي يضعونه اليوم على وجوههم- ولكن حين اختلفوا مع الرجُـل فيما بعد قرروا اسقاطه وغزو بلده” العراق” العراق بكل ما يتملك من تراث وتاريخ وحضارة, بذريعة امتلاكه الكيماوي في وقت كان الرجل قد تخلص منه. ومع ذلك ولأن أمريكا قد قررت ضربه واحتلال العراق وتدميره كدولة تم ضربه بذريعة كيماوية وبمباركة خليجية وبتمويل مالي خليجي,ومن ذات القواعد العسكرية الخليجية التي انطلقت منها بالأمس طيرن الغرب لضرب العراق يتم اليوم ضرب سوريا وبذات المال الخليجي مع ابتهاج إعلامي خليجي رسمي في الحالتين..ويا لسخرية القدر.
المصدر: رأي اليوم